تأليف: فريدريش نيتشه
ترجمة: علي مصباح
* ان آخر ما يمكن أن يخطر لي أن أعد به هو "اصلاح" البشرية.
* بمجرد أن ابتدعت أكذوبة عالم المثل قد تم تجريد الواقع من قيمته ومن معناه ومن حقيقته.
* ان الفلسفة كما كانت دوما أفهمها وأعيشها، هي الحياة طوعا" في الجليد وفوق الجبال الشاهقة، البحث عن كل ما هو غريب واشكالي في الوجود، وعن كل ما ظل الى حد الآن منبوذا" من قبل الأخلاق.
* (أتطلع الى كل ممنوع)، تحت هذه العلامة سيكتب النصر لفلسفتي ذات يوم، ذلك أن الحقيقة وحدها هي التي ظلت الى حد اليوم خاضعة جوهريا" للحظر.
* من بين كل أعمالي يحتل زرادشت(ي) موقعا" خاصا"، عبره تقدمت الى البشرية بأكبر هدية لم يسبق لها أن نالت مثلها الى حد الآن.
* انه لا ينبغي على الانسان العارف أن يحب أعداءه فحسب، بل عليه كذلك أن يكون قادرا" على كره أصدقائه.
* تقولون انكم تؤمنون بزرادشت؟ لكن ما أهمية زرادشت! وأنكم تؤمنون بي، ولكن ما أهمية كل المؤمنين!
أنتم لم تبحثوا بعد عن أنفسكم: هكذا وجدتموني. كذا يفعل كل المؤمنين، ولذلك ليس الايمان بشيء ذي بال.
والآن أطالبكم بأن تضيعوني وأن تجدوا أنفسكم، واني لن أعود اليكم الا عندما تكونون قد أنكرتموني جميعا".
* أنا نبيل بولوندي أصيل لا تشوب دمه قطرة واحدة من الدم الفاسد، الألماني على الأقل. وعندما أبحث لي عن نقيض جوهري، خسة الطبع سفالة الغرائز التي لا حدود لها أجد أمامي على الدوام أمي وأختي.
* بل انه سيكون من علامات الفظاعة القصوى أن يكون المرء قريبا" من عائلته.
* يبدو لي أيضا" أن الكلمة الأكثر فجاجة، والرسالة الأكثر خشونة تظل أكثر فضلا وأكثر شرفا من الصمت. فأولئك الذين بركنون الى الصمت هم الذين يفتقرون دوما" الى اللياقة وسماحة القلب. ان الصمت اعتراض، لكن تجرع الغصص ينتج عنه حتما" فساد الطبع، بل أنه يفسد حتى المعدة. كل الصموتين هم من المصابين بسوء الهضم. –واضح اذا أنني لا أحبذ أن لا تحظى الفظاظة بما تستحق من الاعتبار، انها في نظري الشكل الأكثر انسانية للتعبير عن التناقض.
* وان الها يحل على الأرض لن يسعه أن يفعل سوى ارتكاب المظالم، أن يأخذ الواحد على عاتقه مسؤولية الخطأ وليس العقوبة، ذلك هو ما يمكن أن يكون بحق ألوهيا".
* لقد أدرك الفزيولوجي العميق بوذا هذا الأمر، ف"ديانته" التي أرى من الأفضل أن نسميها بالنظام الصحي كي لا نخلط بينها وبين أشياء هي في الواقع مدعاة الى الشفقة مثل المسيحية، تجعل فعاليتها مشروطة بالانتصار على الضغينة: تحرير الروح من سيطرتها كخطوة أولى باتجاه التعافي. "ليس بالعداوة يمكن التغلب على العداوة، بل بالصداقة يؤتى على العداوة": انها أولى تعاليم بوذا – ليست الأخلاق هي التي تتكلم هكذا، بل الفزيولوجيا (النظام الصحي)-.
* ان المساواة مع العدو هي الشرط الأول لنزال شريف.
* ان القرف الذي يثيره في البشر، القرف تجاه "الرعاع"، كان دوما" أكبر خطر علي.
* بل ان عملا قد أخطأ الهدف يبدو لي جديرا" بالتقدير، بالذات لأنه أخطأ الهدف، ان هذا لمما يوافق قيمي الأخلاقية أكثر.
* ان الله جواب بهيأة قبضة اليد، وقلة لياقة تجاهنا نحن المفكرين – بل هو في الواقع مجرد ممنوع بهيأة قبضة اليد: لا ينبغي أن تفكروا!...
* ان وجبة ثرية أيسر هضما" من وجبة غير كافية. أن تنطلق المعدة في النشاط ككل، ذلك شرط أولي لعملية هضم جيدة.
* لا أكل بين الوجبات، ولا قهوة: القهوة تعكر المزاج. أما الشاي فنافع في الصباح فقط، ومن الأفضل تناوله بكميات قليلة وقوية: ان الشاي يصبح مضرا" ومجلبا" للكدر على طوال اليوم اذا ما كان خفيفا" أكثر من اللزوم.
* الحرص على الجلوس أقل ما يمكن، لا تثقوا في فكرة لم تلد في الفضاء المفتوح وفي التحرك الحر حيث عضلات الجسم أيضا" تشترك في الاحتفال.
* ان خطأ في اختيار المكان أو المناخ من شأنه لا فقط أن يبعد شخصا" عن حقل اهتماماته، بل سيمنعه منها تماما": ستغيب عن نظره وتضمحل.
* فلنحصر الأماكن التي ظل يوجد بها على الدوام (ماضيا" وحاضرا) أناس من ذوي العقول الثرية، حيث التوثب الذهني والخبث من مكونات السعادة، وحيث تجد العبقرية موطنا" لها، وسنجد أنها كانت تتميز كلها بهواء جاف. باريس، والبروفانس، وفلورنسا، والقدس، وأثينا، كلها أسماء تثبت شيئا" محددا" وهو: ان العبقرية محددة بالهواء الجاف وبالسماء الصافية – يعني أنها محددة بالاستقلاب الكيميائي السريع وبامكانية التمون بكميات كبيرة، بل وحتى كميات خيالية من الطاقة.
* اختيار الغذاء المناسب، واختيار المكان والمناخ، ثم العنصر الثالث الذي لا ينبغي على المرء بأي حال من الأحوال أن يرتكب فيه خطأ ألا وهو اختيار نوعية الاستراحة المناسبة لكل شخص.
.... وبالنسبة لحالتي الشخصية فان كل أنواع القراءة تعد استراحة، وهي من الأشياء التي تبعدني عن نفسي وتمكنني من التفسح بين علوم وأنفس غريبة عني....
* انني لا أؤمن الا بالثقافة الفرنسية، أما كل ما عدا ذلك مما يطلق على نفسه اسم "الثقافة" في كل أوروبا فلا أعتبره سوى ظاهرة سوء فهم.
* حيثما حل الألمان تكدر صفو الثقافة.
* لعلي أيضا" "أحسد" ستاندال؟ فقد سبقني الى أجمل نكتة الحادية كان من الممكن أن أكون أنا قائلها: "ان العذر الوحيد لله هو كونه غير موجود"... لقد قلت بدوري في موضع ما: ما هو أكبر اعتراض على الوجود الى حد الآن؟ الله...
* لا ليس الشك، بل اليقين هو الذي يقود الى الجنون...
* وكفنان، ليس للمرء على أية حال من وطن في أوروبا كلها غير باريس
* لن أقبل أبدا" بفكرة أن ألمانيا" بمستطاعته أن يعرف ما هي الموسيقى. وأولئك الذين يدعونهم الناس بالموسيقيين الألمان، الكبار منهم بالخصوص، هم من الأجانب، سلافيون، كرواتيون، ايطاليون، هولانديون – أو يهود، وفي حالات أخرى ألمان من الجنس العتيد الذي اضمحل، ألمان من أمثال هاينرش شوتز، وباخ وهاندل.
* في كل هذه الامور: اختيار الغذاء والمكان والمناخ وما يتعلق بالاستراحة فان غريزة البقاء التي تعبر عن نفسها بصفة لا يشوبها أي غموض كغريزة دفاع عن النفس هي التي تقود. أن يغض المرء الطرف عن الكثير من الأشياء، أن لا يستمع اليها، ولا يدعها تقترب منه، تلك هي أولى مقتضيات الذكاء...
* أن يسعى أيضا" قدر الامكان الى تفادي قول لا. أن ينفصل ويتخلى عن كل ما يجعل كلمة لا ضرورية على الدوام. والحكمة في ذلك تتمثل في أن توظيف الطاقات الدفاعية، مهما كان القدرمحدودا" وضئيلا، اذا ما غدا نمطا وتحول الى عادة, يتسبب في استنفاد للذات هائل وعديم الجدوى كليا".
... وان حالة الاستنفار والحاجة الدائمة للدفاع قد تضعف المرء بكيفية يغدو معها غير قادر عن الدفاع بالمرة.
* ان العالم ينفق كلية طاقاته في مقولات ال"نعم" و"لا" ضمن نقد ما فكر فيه غيره، أما هو فانه لم يعد يفكر...
* أن يقرأ المرء كتابا"، في الصباح الباكر، عند طلوع النهار، في لحظة الطراوة والتوهج الصباحي لطاقاته! ذلك ما أسميه فسادا" ورذيلة!
* اعرف نفسك بنفسك
* اذ أن كل الأشياء التي ظلت البشرية تثمنها الى حد الآن ليست حتى بالأمور الواقعية، بل خيالات ومجرد أوهام وبعبارة أكثر شدة أكاذيب طالعة من عمق الغرائز السيئة لطبائع مريضة ومضرة بالمعنى العميق للكلمة، كل هذه المفاهيم من شاكلة "الله" و"الروح"، و"الفضيلة"، و"الخطيئة"، و"الماوراء"، و"الحقيقة"، و"الحياة الخالدة"...
... هكذا تم تزوير كل مسائل السياسة والنظام الاجتماعي والتربية من الأساس بحيث تم تكريس أشد الناس ضررا" كعظماء.
* واذا ما قارنت نفسي بهؤلاء الذين تم تكريسهم الى حد الآن كأناس عظماء، فان الفارق بيني وبينهم يتجلى واضحا" وملموسا". انني لا أحسب هؤلاء "العظماء" المزعومين حتى في عداد البشر، فهم في نظري سقط المتاع ونفايات البشرية، ونتاج للمرض وغرائز الانتقام: انهم كائنات فظيعة مضرة وغير قابلة في جوهرها للعلاج، غايتها الانتقام من الحياة.
* هنالك أناس يولدون بعد الممات.
* ما لم يكن للمرء من معرفة به عن تجربة معاشة، لا يمكن له أن يسمعه.
* وبفعل التوهم السمعي يغدو ما هو غير مسموع غير موجود أيضا".
* أعرف الى حد ما امتيازاتي ككاتب، وفي بعض الحالات المنفردة قد ثبت لي أيضا" الى أي حد يمكن لمعاشرة كتاباتي أن "تفسد" الذوق. لن يمكن للمرء بعدها تحمل بقية الكتب، وبخاصة الكتب الفلسفية.
* فالمرأة، كلما كانت أكثر أنوثة، الا وتصدت بيديها وقدميها لكل أنواع القوانين والحقوق: فالوضع الطبيعي، وضع الحرب الدائمة بين الجنسين يمكنها من تبوء مرتبة الفوز بتفوق هائل.
...هل استمع أحد الى تعريفي للحب؟ انه التعريف الوحيد الذي يليق بفيلسوف. الحب، وسيلته الحرب، وخلفيته العميقة الحقد القاتل الذي يكنه كل جنس للآخر.
هل استمع أحد الى جوابي عن سؤال كيف يمكن معالجة امرأة – "تخليصها"؟
أن تمنح ولدا"، ان المرأة في حاجة دوما" الى أطفال، وليس الرجل على الدوام سوى وسيلة لبلوغ هذا الغرض – هكذا تكلم زرادشت.
"تحرر المرأة" هو غريزة حقد المرأة الفاشلة، أي تلك العاجزة عن الانجاب تجاه المحظوظة، وليس الصراع ضد "الرجل" سوى وسيلة وتعلة وخطة مراوغة، ليس الا. انهن لا يفعلن عبر الارتقاء بأنفسهن تحت عنوان "المرأة بذاتها" و "المرأة الراقية" و "النمط المثالي للمرأة" سوى الحط من منزلة المرأة بصفة عامة، وليس من وسيلة أضمن لبلوغ هذا الغرض من تعليم المعاهد، والبنطلونات والحق السياسي للدابة المنتخبة. وفي الواقع ان المتحررات هن الفوضويات في عالم "الأنثى الخالدة"، الفاشلات اللاتي يعمر الحقد غرائزهن الدفينة.
* ان الدعوة الى العفة تحريض عمومي على معاكسة الطبيعة. وكل تحقير للحياة الجنسية، وكل تدنيس لها بفكرة "الدنس" هي الجريمة بعينها في حق الحياة – الخطيئة الحقيقية في حق الروح القدس للحياة."
* بقدر ما تسمح الشجاعة لنفسها بالمغامرة مضيا" الى الأمام يكون المقدار المناسب من القوة هو الذي يسمح للمرء من الاقتراب من الحقيقة. ان معرفة الواقع، والاستجابة الاثباتية للواقع تمثل ضرورة بالنسبة للأقوياء بالقدر الذي يمثل به الجبن والهروب من الواقع "المثال" بالنسبة للضعفاء الخاضعين لايحاء الضعف. غير مسموح لهؤلاء الأخيرين أن يعرفوا: المنحطون في حاجة الى الكذب، انه احدى شروط بقائهم.
* ليس هنالك ما هو أشد خطرا" من الاعتقاد بأن النجاح الحربي الكبير للألمان يمكن أن يدل على شيء لصالح هذه الثقافة.
* ان فقدان الثقل الجسدي، ومناقضة الغرائز الطبيعية، أي نكران الذات في كلمة واحدة – ذلك هو ما ظل يسمى الى حد الآن بالأخلاق...
* ان كل ما هو مهم وحاسم انما ينشأ "رغما"عن الظروف.
* كل ما هو عظيم، أثرا" كان أم عملا" ينقلب حتما" على مبدعه بعد انجازه.
* عدم الثقة الذي هو في الكثير من الحالات مجرد خطأ في تشخيص الأسباب لا غير.
* لزرادشت الحق الخالد في أن يقول: " انني أرسم دوائر من حولي وأضرب حدودا" مقدسة، وان عدد الذين يصعدون معي الى قمم أكثر فأكثر علوا" لفي تناقص مطرد، انني أرفع سلسلة من الجبال أكثر فأكثر قداسة". ولو اجتمعت فضائل وعقول العظماء كلها لما استطاعت، جميعها معا"، أن تأتي بخطبة واحدة من خطب زرادشت.
* أن نخلص الماضي، وأن نحول كل "ذلك ما كان" الى "ذلك ما أردت"، فذاك فقط هو ما أسميه خلاصا".
* كل المبدعين قساة.
* الله ذاته هو الذي كان ممدا" في صورة حية تحت شجرة المعرفة بعد أن فرغ من أيام عمله، كان يستريح من وظيفته كاله... لقد أنجز كل شيء على ما يرام...
ليس الشيطان اذا" سوى عطالة الرب في كل يوم سابع...
* لدى الألمان، كما لدى النساء، لا يدرك أي عمق، اذ ليس هنالك من عمق، ذلك كل ما في الأمر.
* هل استطاع الألمان أن ينتجوا كتابا" واحدا" ذا عمق؟ انهم يفتقرون حتى الى مجرد فكرة عما يمكن أن يكون عمقا" في كتاب.
* وانه لمن دواعي الفخر لدي أن تكون لي سمعة محتقر الألمان بامتياز.
* ومع هذا كله ليس في ما يمت بصلة الى مؤسس ديانة، فالأديان شأن الرعاع، واني لأشعر بالحاجة الى غسل يدي بعد ملامسة المتدينين... أنا لا أريد "مؤمنين"، وأعتقد أنني أكثر شرا" من أن أستطيع أن أؤمن بنفسي. لا أتحدث البتة الى كتلة الجماهير...
* وكل من يريد أن يكون مبدعا" في الخير وفي الشر، عليه أن يكون أولا مدمرا"، وأن يحطم القيم.
كذا هو الشر الأعظم جزء من الخير الأعظم: لكن ذلك هو الخير المبدع.
* يقول زرادشت الذي كان أول من أدرك أن المتفائل على نفس المستوى من الانحطاط كالمتشائم، بل وأكثر ضررا" منه:
" الخيرون لا ينطقون بالحقيقة أبدا". سواحل وهمية ويقينيات خاطئة يعلمكم الخيرون، داخل أكاذيب الخيرين ولدتم، وفيها كان مأواكم. كل شيء غدا في عمقه الدفين مشوها" معوجا" على أيدي الخيرين".
* ان التعامي عن حقيقة المسيحية لهو الاجرام بحق، الاجرام في حق الحياة.
* لقد ظل المسيح، هذا الكائن العجيب، يعد "الكيان الأخلاقي"، و"ككائن أخلاقي" كان أكثر عبثية، أكثر كذبا"، أكثر غرورا"، أكثر طيشا"، والأكثر ضررا" على نفسه –أكثر مما يمكن أن يحلم به أشنع المزدرين بالانسانية خبثا".
* أن تبتدع أكذوبة "الروح" و"العقل" من أجل سحق الجسد، وأن يعلم النظر الى أولى شروط الحياة، الى الجنس على أنه دنس...
* تعريف الأخلاق: الأخلاق هي الحساسية المرضية للمنحط مع النية الخفية في الانتقام من الحياة – وقد تم ذلك بنجاح. انني أولي أهمية لهذا التعريف.
* لقد ابتدعت فكرة الله كمفهوم نقيض للحياة، داخلها جمع كل ما هو مضر، سام ومفتر، وكل العداوة القاتلة للحياة، في كل موحد مثير للفزع. وابتدعت فكرة "الماوراء"، و "العالم الحقيقي" من أجل تجريد العالم الواقعي الوحيد الموجود من كل قيمة، كي لا يحتفظ لواقعنا الأرضي بأي هدف ولا أية معقولية، وأية مهمة! وابتدعت فكرة "الروح" و"العقل" وأخيرا" "الروح الخالدة" بهدف تحقير الجسد، واصابته بالمرض – ب"القداسة" - ، ولكي تقابل مسائل الحياة التي تستحق العناية الجدية مثل المأكل والمسكن ونظام الغذاء العقلي، ومعالجة الأمراض، والنظافة وما يتعلق بأحوال الطقس بعدم اكتراث أحمق مفرغ!
No comments:
Post a Comment