Wednesday, June 18, 2014

اللاهوت العربي – وأصول العنف الديني

تأليف: يوسف زيدان


في هذه الصفحة أعرض تلخيص لأجمل ما ورد في الكتاب:

تنويه
لم يوضع هذا الكتاب للقارى الكسول، ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقي الاجابات الجاهزة، عن الأسئلة المعتادة. وهو في نهاية الأمر كتاب، قد لا يقدم ولا يؤخر.

"كنتم خير أمة أخرجت للناس" (آل عمران:110)

"وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانا"، أن يصيروا أولاد الله... والكلمة صار جسدا"" انجيل يوحنا

"قد ميزكم من الشعوب، لتكونوا لي.. التوراة، سفر اللاويين

 مقدمة: تشتمل على أقوال تمهيدية

·        اللاهوت العربي قبل الاسلام، وامتداده في علم الكلام.
·        وأيضا"، لم يستخدم وصف وثني بالمعنى الاصطلاحي، في فجر الاسلام، وانما أشير في القرآن الى أن الكفار يعكفون على أصنام وأوثان، يعبدونها من دون الله. (أسفل الصفحة: طفرت الصفة (الوثنية9 بمعناها الاصطلاحي، في الزمن المسيحي (السكندري) كوصف عام للعقائد اليونانية السابقة، والعقائد القديمة عموما")
·        وهنا تجدر الاشارة الى الفارق الدقيق بينهما، فالوثن هو ما كان على صورة وهيئة محدودة، مثل سيرابيس والعجل أبيس عند المصريين قبيل انتشار المسيحية، أو أثينا وفينوس وبوسيدون وبقية آلهة اليونان القديمة، أو هبل واساف ونائلة عند عرب قريش قبل الاسلام، وغير ذلك من الأوثان التي طالما قدسها الانسان. أما الصنم فهو المعبود الذي لا يتخذ هيئة محدودة، مثلما هو الحال في أصنام اللات، التي كانت غالبا" أحجارا" بيضاء مكعبة الشكل.
·        وعلى الرغم مما سبق، فانه لا يشترط أن تكون كل الديانات التي تحتفي بالتماثيل، هي بالضرورة (وثنية) فالديانة البوذية مثلا"، تحتفي بأصنام بوذا، لكنها لا تقدسها قداسة التعبد لها، ولا تعدها صورة حجرية للاله، وبالتالي يصعب وصف البوذية بأنها وثنية، بالمعنى الدقيق للكلمة.
·        ففي كل ديانة شريعة هي وحدها واجبة الاتباع، وأهلها هم فقط المؤمنون، وغيرهم غير مؤمنين.
·        يقول أحمد شلبي ما نصه: من مفاخر المسلمين أنهم ابتكروا علم مقارنة الأديان، وسنرى أن المفكري الغرب يعترفون بذلك، ومن الطبيعي أن هذا العلم لم يظهر قبل الاسلام، لأن الأديان قبل الاسلام، لم يعترف أي منها بالأديان الأخرى...
·        ومعروف أن الديانات المسماة اعتباطا" بالوثنية، كان كل دين منها يفسح مساحة لغيره من الديانات (الوثنية) الأخرى، المختلفة عنه. ولم نعرف، تاريخيا"، أن هؤلاء الوثنيين تقاتلوا يوما" فيما بينهم، من أجل اعلاء ديانة وثنية أخرى، على نحو ما فعلت اليهودية مثلا"، في حروب الرب التي قادها خليفة النبي موسى
·        ومن ناحية أخرى، نعرف أن المسيحيين قادوا باسم المسيح، حروبا" كثيرة امتد بعضها قرونا"، كالحروب الصليببية الطويلة التي جرت مع المسلمين، والحروب المقدسة الأطول زمنا" بين الجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية. ونعرف كذلك، أن المسلمين خرجوا في الغزوات والفتوح لنشر دين الله، انطلاقا" من الحديث الشريف: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله"، ومن الآية القرآنية "يأيها الذين آمنوا قتلوا الذين يلونكم من الكفار" (التوبة:آية123) والآية الكريمة "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض: (الأنفال:آية 67) ومعنى يثخن في اللغة العربية : يطعن بالأسلحة، ويبالغ في القتل..
·        وهنك مثال آخر، يصل من القوة بحيث يمس الديانة اليهودية، عقائديا". أعني استكمال المنظومة الدينية اليهودية لذاتها، اعتمادا" على الديانتين التاليتين عليها (المسيحية، الاسلام) بادخال فكرة البعث أو القيامة وما يتعلق بها من الأخرويات، وهو مل خلت منه النصوص اليهودية المبكرة (التوراة، أسفار الأنبياء الكبار) وتم ادخاله في النصوص اليهودية المتأخرة، كالمنشاة (المثناة) والجمارا، وهما يؤلفان معا" التلمود. ومن هنا صارت عقيدة البعث، جزءا" رئيسا" من الديانة اليهودية. وهو جزء رئيس، تأخرت اضافته قرابة سبعة قرون.
·        ... وكلمة (لاهوت) من حيث المعنى، مقصود بها الالهيات أو العلم الالهي أو ذات الله وصفاته، أو الثيولوجيا.
·        ... ونراها في كتاب أرسطو (الميتافيزيقا) أو (ما بعد الطبيعة) عند كلامه عن الله الذي تصوره أرسطو كمحرك عاطل للكون! أي محرك للأشياء بفعل الجذب، من دون أن يتحرك هو.
·        وكانت الكنائس الكبرى في العالم، قبل ظهور الاسلام وقبل الانشقاق (الأعظم) الذي حدث سنة  1054 ميلادية، تسمي نفسها جميعا" بالكنيسة الكاثوليكية، أي الجامعة. ثم استقلت الكنائس الغربية، أي الأوروبية (اللاتينية) بصفة الكاثوليكية، بينما انفردت الكنائس القديمة (اليونانية، السريانية) بصفة الأرثوذكسية. وقد لعبت الخلافات المذهبية ومن بعدها الحروب الصليبية، دورا" كبيرا" في افتراق الكاثوليك عن الأثوذكس. وصار هؤلاء لأولئك أعداء ألداء، بل وقعت بينهما حروب ابادة!
·        ... خلط بين لفظي: الرومان/الروم، مع أن أولئك غير هؤلاء. فالرومان هم أصحاب الامبراطورية المشهورة التي امتد سلطانها قرونا" من الزمان، وكانت عاصمتها روما. أما الروم، فهي التسمية العربية الاسلامية لأهل الامبراطورية البيزنطية المسيحية، التي ورثت مجد روما، وكانت عاصمتها بيزنطة. وهي المدينة الواقعة على مضيق البوسفور، التي تعرف أيضا" بأسماء كثيرة، فهي القسطنطينية نسبة الى الامبراطور قسطنطين الكبير، الذي بنى المدينة.

الفصل الأول: جذور الاشكال: الله والأنبياء في التوراة

·        أتت اليهودية بصورة (اشكالية) للاله، لم تقف عند تعدد اسمائه التوراتية: آدوناي، الرب، رب الجنود، يهوة، ياهو، ايل، الوهيم، أهيه الذي أهيه.. وانما تعدت الاشكالية هذا التعدد الى طبيعة الله وصفاته في التوراة. فهو (تعالى) يظهر تارة داعيا" الى الخير وفضائل الأعمال، وتارة أخرى يظهر عنيفا"، منتقما" من الناس لحساب اليهود. مثلما هو الحال مثلا، في العبور (الفصح) الذي نشر الرب فيه الرعب بأرض مصر، ارضاء لشعبه المختار.
·        تقول التوراة ان الله (تعالى) أمر اليهود بالاحتيال على المصريين!
·        والله في التوراة يجب ان يطاع، ويستلذ رائحة الشواء، ويندم على افعاله السابقة! تقول الآيات: "وبنى نوح مذبحا للرب، وأخذ من البهائم ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في نفسه: لا أعود ألعن أيضا" اميت كل حي كما فعلت".
·        ثم تتخذ الذات الالهية (التوراتية) اقصى صورها الاشكالية، حين يغدو الله (سبحانه) مغلوبا، مستغيثا، مستسلما. وهو ما حكاه سفر التكوين حين قص الواقعة اشهيرة التيي صارع فيها (الله) النبي يعقوب، بعدما اتخذ الله في هذا (العراك) صورة رجا آدمي. وظل الانسان والله يتقاتلان طيلة الليل، حتى اقترب الفجر، واستطاع يعقوب (عليه السلام) أن يجثم فوقه، وينتزع منه الاعتراف بنبوته. تقول التوراة في ترجمتها العربية، الصادرة عن (دار الكتاب المقدس) تحت العنوان الجانبي يعقوب يصارع مع الله ما نصه:
·        "وقال أطلقني لانه قد طلع الفجر، فقال: لا اطلقك ان لم تباركني. فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب. فقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل اسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس، وقدرت. وسأل يعقوب: أخبرني باسمك. فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك".
·        مع ان البشر في زمن ما قبل الحضارات، لم يكن متوسط عمر الواحد منهم يتجاوز ثلاثين سنة، وكان متوسط أعمار الناس في دول مصر القديمة، المتحضرة جدا بمقاييس هذا الزمان البعيد، ستا" وثلاثين سنة فقط.
·        والقصص التوراتي الذي اشرنا لبعضه فيما سبق، لا تقتصر خطورته على ما يطرحه من (صفات الهية) يصعب الحاقها بالذات الالهية. وانما تتعدى هذه الخطورة ذلك، الى امور لا تقل اهمية، منها مناقضة القيم الانسانية التي اجتهدت الحضارات، قبل تدوين التوراة بقرون  طوال، من اجل ارسائها في وجدان البشر المتحضرين. فعلى النقيض من فكرة أو مفهوم (الضمير) الذي قدمته مصر القديمة للانسانية، لاول مرة، جاءت النصوص التوراتية مستهينة بحقوق البشر من غير اليهود، وممعنة في تحقير (الامم) غير اليهودية. وكأن غير اليهود، هم أقل انسانية من ابناء الرب، او أن ربا اخر غير رب اليهود، هو الذي خلقهم.
·        وقد انقلبت في التوراة منظومة القيم الانسانية، راسا على عقب، فصار القتل مباحا" ما دام يتم باسم الرب، وصار الزنا بالمحارم جائز الاقتراف او وارد الوقوع، حتى في حق الانبياء! مثلما نرى في قصة (النبي) لوط، الذي زنىمع ابنتيه بعدما أسكرتاه، فكان نتاج هذا الزنا أن أنجبت احداهما جد قبيلة العمونيين، وانجبت الاخرى جد المؤابيين. تقول التوراة، ما نصه :( فحبلت ابنتا لوط من ابيهما، فولدت البكر ابنا" ودعت اسمه مؤاب، وهو جد المؤابيين الى اليوم، والصغيرة ايضا ولدت ابنا"، ودعت اسمه ابن عمي، وهو ابو بني عمون الى اليوم...). وهكذا صارت القبيلتان الكبيرتان، بكل أفرادهما من الرجال والنساء، بحكم الكتاب المقدس، أبناء زنا وثمرة سفاح. مثلما صار العرب جميعهم، بحسب الحكاية التوراتية المقدسة أيضا"، أبناء جارية مصرية اسمها هاجر هجرها زوجها النبي، ابو الانبياء، ولفظها الى الصحراء ارضاء لزوجته الغيور التي سميت سارة لانها كانت امراة جميلة، تسر القلب.
·        والصورة التوراتية للآباء الأوائل والانبياء ورجال الله، مفزعة. فهم في القصص التوراتي على الرغم من أنهم الأخيار المختارون، لا يتورعون عن الاتيان بأفعال مهولة، من مثل: معصية الخالق (آدم) او استخدام الزوجة للحصول على المال (ابراهيم) أو السكر والزنا بالمحارم (لوط مع ابنتيه) أو التنكر للجميل (ابراهيم مع ابيمالك) او السرقة ونهب الجيران والقتل (موسى) أو الامعان في ابادة الناس (يوشع بن نون) او الاستيلاء على النساء بقتل أزواجهن ظلما، بعد الزنا بهن (داود) أو قتل الاخوة للانفراد بالحكم (سليمان)... ناهيك عن تبجح القتلة، وحماية الله لهم، حسبما ورد في حكاية قابين (قابيل) ولامك، فالاول منهما قتل أخاه (هابيل) وتبجح حين سأله الله عن أخيه المقتول، ثم اعطاه الله وعدا" (عهدا") بأن من يقتله سيقتل الله منه سبعة!


الفصل الثاني: الحل المسيحي: من الثيولوجيا الى الكريستولوجيا

·        موجات القهر والاذلال التي عانى منها اليهود طيلة تاريخهم الكئيب. فمن الأسر البابلي، الى احتقار الشعوب لهم، الى تدمير الرومان لعاصمتهم، الى الفتك المسيحي بهم... ناهيك عن حروبهم الطاحنة فيما بينهم، وانشقاقهم على أنفسهم في (ممالك) وجماعات، وفرق متنازعة يكفر بعضها بعضا.
·        وغالبا ما ترتبط بشارات مجيء المخلص، في الأسفار الأخيرة من العهد القديم، بالانذار الالهي لشعوب الأرض جميعا". ففي سفر زكريا، بعد النبوءة المفرحة السابقة، نقرأ أن (الرب) سوف: "يعبر في بحر الضيق، ويضرب الجج في البحر، وتجف كل أعماق النهر، وتخفض كبرياء آشور، ويزول قضيب مصر... افتح أبوابك يا لبنان، فتأكل النار أرزك. ولول يا سرو، لأن الأرز سقط، لأن الأعزاء قد خربوا. ولول يا بلوط باشان، لأن الوعر المنيع قد هبط... لأن كبرياء الأردن خربت، هكذا قال الرب الهي".
·        ففي البدء انتشرت أناجيل كثيرة، صار بعضها مشهورا" حينا" من الدهر ثم انطمس، مثل انجيل المصريين (ذي النسختين القبطية واليونانية) وأناجيل الطفولة وانجيل العذراء.
·        وكان من المنطقي أن ينته رجال الكنيسة، آنذاك، الى خطورة الأناجيل الكثيرة المشوشة على قانون الايمان القويم (الأرثوذكسي) الذي صيغ في مجمع نيقية المنعقد سنة 325 ميلادية. فتشكلت بعد المجمع ببضع سنين، وبالتحديد سنة 331 ميلادية، لجنة دينية دنيوية (كنيسة، امبراطورية) مهمتها التفتيش عن، واعدام، الأناجيل الكثيرة الأخرى. وهكذا بقيت، فقط، الأناجيل الأربعة المشهورة: متى، لوقا، مرقس، يوحنا.

الفصل الثالث: النبوة والبنوة: فهم الديانة، شرقا" وغربا"

·        وهذه الديانات الغابرة الموسومة بالوثنية، التي عاشت آلاف السنين في مصر واليونان، كانت تسمح بالتعددية. ولم تزعم ديانة منها، أنها الديانة الوحيدة الحقة. وكانت هذه الديانات تجيز التمازج أحيانا" بين الربوبية والبشرية (اللاهوت والناسوت) أو هي بالأحرى، لا ترى بأسا" في تأليه الانسان وتأنيس الاله.
·        واذا كانت فلسطين هي مهد المسيحية، فان مصر كانت بمثابة المهاد والتمهيد والوهاد لانتشار هذه الديانة الجديدة، بناء على الفهم المصري القديم لعالم الآلهة ذي الأبعاد الثلاثية (ثالوث: ايزيس، حورس، أوزيريس) وامكان تمازج البشر بالآلهة (الفرعون ابن الاله) وأن للحياة مفتاحا" (عنخ، الصليب) وجواز القيام من الموت وانتظار الحساب (أوزيريس اله الآخرة) واانجاب من دون نكاح حسي (ايزيس تحبل من زوجها الميت).... وحتى الصليب رمز الديانة الجديدة، ما هو الا رمز الحياة عندهم.
·        وقد امتد الفهم العري للديانة، قويا"، خلال الزمن المسيحي. ولذلك نجد كثيرا من الأفكار التي شاعت في المرحلة الساقة على الاسلام، تشير دوما" الى الآلهة من بعيد، وتؤمىء اليهم في عليائهم، رمزا" وتلويحا". وهو ما نراه مثلا" في معلقة زهير بن أبي سلمى، حيث نقرأ من أبياتها المشهورة، ما يدل على صورة (الله) التي تطابق التصورات اللاهوتية العربية، وسوف تشابه الصورة الاسلامية المثلى لله. يقول زهير :
فلا تكتمن الله ما في صدوركم              ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر             ليوم حساب أو يعجل فينقم
·        بل أكد الاسلام نبوة عرب خلص، من أمثال هود وصالح. وهما نبيان عربيان تماما"، اعتز بهما العرب وأكد دين الاسلام نبوتهما في القرآن الكريم. وبينما جعل العرب لهود اسما" دالا" على عربيته الصريحة: هود بن عبد الله بن الخلود بن عمليق بن عاد، وجعلوا لصالح بيئة عربية صريحة، هي بلدة ثمود ذات العبق النبطي المرتبط بالناقة،
·        هذا من حيث اللغة، أما من حيث طبيعة الحياة العربية ذاتها، سواء في المدن أو البادية (أهل الحضر، الأعراب) فقد اهتم العرب بالأنساب وبالأبوة. ولذلك نراهم في تنقلهم الدائم رعاة ابل وغنم يسعون وراء الكلأ والخضرة المؤقتة، أو في تجوالهم الواسع للتجارة ونقل السلع بين الآفاق الممتدة بين قلب الجزيرة وأطرافها وحدود الهلال الخصيب، يتعارفون دوما" بالنسب. فاذا التقى الواحد منهم بالآخر ولم يعرفه، سأله: ممن أنت؟ مستفسرا بذلك عن أبيه وقبيلته، اذ هما عند العرب أساس التعرف الى البشر، وقاعدة التعارف فيما بينهم. وقد نعى عمر بن الخطاب، على الأنباط، أنهم ينتسبون لبلادهم ونواحيهم، لا لآبائهم وقبائلهم!


الفصل الرابع: جدل الهرطقة والأرثوذكسية: الاختلاف القديم بين عقليتين

الفصل الخامس: الحل القرآني: اعادة بناء التصورات

·        والمتأمل في القصص القرآني المخبر عن الأنبياء، يلمح تأكيدات قوية للرؤية العربية والعبرية النمطية، القرابية القبلية. فالأنبياء المذكورون في القرآن الكريم، أغلبهم من عائلة واحدة اصطفى الله من أجيالها المتعاقبة أفرادا" بعينهم، فجعل النبوة فيهم "ان الله اصطفى ادم ونوحا" وءال ابراهيم وءال عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم"
·        والنبي ابراهيم في القران الكريم، ليس هو الشخص التوراتي الذي قال لامراته حين دخلا مصر هاربين من المجاعة، ما ورد في الاصحاح الثاني عشر، من سفر التكوين: وحدث لما قرب أن يدخل مصر، أنه قال لساراي (سارة) امرأته: اني قد علمت انك امراة حسنة المنظر، فيكون اذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امراته فيقتلونني ويستبقونك، فقولي انك أختي، ليكون لي خير بسببك، وتحيا نفسي من أجلك. فحدث لما دخل ابرام (ابراهيم) الى مصر، أن المصريين رأوا المراة انها حسنة جدا، ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأخذت المراة الى بيت فرعون، فصنع الى ابرام خيرا" بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء وأتن وجمال.
    ولما اكتشف فرعون (التوراتي) هذه الخديعة، نهر ابراهيم ثم رد اليه امراته وطرده من مصر، من دون أن يسترد منه ما سبق أن أعطاه له.
·        لن نجد في آي القرآن، أيا" من تلك السلوكيات الغريبة التي لا تليق بعموم البشر، ناهيك عن الأنبياء، بل أبي الأنبياء.
·        وعلى هذا النسق من القص، الأحسن بلاغا ومضمونا، حكى القران الكريم حياة الأنبياء، من دون أن يذكر نقيصة لواحد منهم. حتى عندما قصت الايات القرانية قصة يوسف النبي ابن يعقوب (اسرائيل) بن اسحق بن ابراهيم، وما كان من مكر اخوته به، وجريمتهم معه، فكانه يبرئهم على نحو خفي. وحين حكى القران ما كان من محاولة امراة العزيز غواية النبي يوسف، جاءت الصيغة القرانية في سورة يوسف، وقورة: "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ بالله انه ربي احسن مثواى انه لا يفلح الظالمون، ولقد همت به وهم بها لولا ان راى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين، واستبقا الباب" (يوسف: الايات 23-25) أما التوراة فقد ذكرت هذه الواقعة، مترعة بلفظ (الاضطجاع) الدال مباشرة على الاتصال الجنسي الفج، ...
   ولا يفوتنا هنا، أن قصة النبي يوسف، التوراتية، مسبوقة مباشرة بقصة يهوذا التوراتي الذي زنى بامراة وحملت منه فولدت توءما، ثم اكتشف يهوذا هذا، أن المراة التي نكحها وأحبلها، كانت امرأة ابنه! وهذه القصة الاخيرة، مسبوقة بدورها في التوراة، بقصة النبي لوط الذي زنى بابنتيه، فولدتا قبيلتين: المؤابيين، العمونيين! ثم تاتي بعدها حكاية النبي داود الذي زنى بامراة أوريا الحثي، التي هي أم النبي سليمان.
·        فأوصل جبريل النفخة الالهية الخالقة الى مريم، فحملت بالمسيح. وهكذا أبعد القرآن تماما، اي شبهة للاتصال المباشر بين الله والانسان.
·        ومن هذه الناحية، جاء الامر الالهي في النصف المدني من القران "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" (التوبة: اية 5) "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" (البقرة: اية 191) "فان تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم" (النساء: اية 89). ومن هذه الناحية ايضا، جاء الحديث النبوي: أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا اله الا الله.

الفصل السادس: كلام الاسلام: الوصلة الشآمية العراقية

الفصل السابع: اللاهوت والملكوت. أطر التدين ودوائره

·        فالاسلام فيما نرى، اقرب الى اليهودية وألصق... فمن حيث الطبيعة العامة للدين، ومن حيث الاطار الكلي له، فان اليهودية والاسلام مجتمعين، بينهما من الصلة الوثيقة ما يجعلهما أقرب لبعضهما، أكثر من اقترابهما للمسيحية. وما ذلك الا لان اليهودية، وهي ديانة غير تبشيرية أصلا، تحوصلت قديما في المنطقة الجغرافية التي انتشرت فيها الثقافة العربية، وظهر فيها الاسلام من بعد.
   أما المسيحية، فهي لم تتطور في محل ظهورها الأول، وانما تلقفتها مبكرا من خارج النطاق الجغرافي الذي نشأت فيه، العقول المصرية واليونانية. فصاغتها حسبما وافق الرؤى العامة، وطبيعة العقلية الجمعية، التي كانت مهيمنة من قبل في مصر واليونان.
·        ... فان التدين بحاجة مستمرة الى الاتصال بالله، والتواصل معه، وهو ما يتم على نحو عام عبر طقوس ومراسم العبادة، ويتم على نحو محدود وصفوي في التجارب الدينية العميقة: القبالا اليهودية، الرهبنة المسيحية، التصوف الاسلامي.
·        والحاكم في الاسلام هو ظل الله في الارض، ولا جدال عند الحكام في هذا الامر، ولا استعداد للمساومة. انظر قوة الحديث النبوي الحاسم، الصارم، الذي يتوعد كل من يفكر في الاستهانة بالحاكم، أو يشق عليه عصا الطاعة: من شق عصا الطاعة، فاضربوا عنقه. وفي الحديث الشريف ايضا، جاءت النصيحة للمتدينين، كالتالي: السمع والطاعة، ولو لعبد حبشي.
·        لا تكون الانابة في اليهودية والمسيحية والاسلام، متاحة للنوع البشري كله. فهي موقوفة على الرجال دون النساء، لأن الله وان كان رب العالمينظن الا انه في اليهودية والمسيحية والاسلام: خلق آدم على صورته... فضل الرجال على النساء... جعل المراة زينة للرجل... سبك النساء ضعيفات، ناقصات عقل ودين! وقد أشار كثير من الدارسين السابقين، الى ذكورية اليهودية التي أزاحت المرأة عن عرش قداستها السابقة، وألحقتها بالدنس. حتى انها حرمت النساء من الرتب الدينية، وحرمت على المرأة دخول المعبد في أيام حيضها، وحكمت بالنجاسة على الرجل الذي يمس الحائض. بل يتجنس في اليهودية، سرير الحائض وملابسها ولامسها وكل ما يقترب منها. مع أن دم الحيض، من وجهة النظر الأنثروبولوجية المجردة، كان الاصل الذي قامت عليه قداسة الانثى في الديانات القديمة، فقد كانت القداسة في وعي أهلها ترتبط الدم (السائل المقدس) وترتبط باللبن الذي يفيض من ثدي الوالدة، وترتبط بالعمليات السحرية الباهرة التي تقوم بها المرأة مثل الحمل، واستدارة البطن، والولادة.
·        ... والاله في التوراة على كل حال، عهده بالمحو والابادة قديم. فقد بلبل ألسنة أهل بابل كلهم، ودمر سدوم وعمورية لفسق رجالهم، فأخذهم أخذة واحدة فأبادهم جميعا"، رجالهم ونساءهم وأطفالهم. والله في ليلة الفصح، ضرب كل بكر بأرض مصر، حتى بكر البهائم، لم يسلم من تلك الابادة الالهية المقدسة، التي بلغت ذروتها حسبما أسلفنا، في حروب الرب التي قادها يهوشع بن نون، وأباد خلالها قرابة الثلاثين مملكة، وفقا" لرواية التوراة.
    ومن هذه الناحية، يمكن النظر أيضا" الى بعض سور وآيات القران الكريم، حيث تتجلى (الألوهية) التي جمعت حسبما يقول الصوفية المسلمون، بين الأضداد. فالله الخالق الرحيم، المبدىء المعيد، هو المنتقم الجبار، ذو البطش الشديد. وقد أهلك الله بحسب آي القران، كثيرا من الأمم والجماعات بعد الطوفان
·        ... بل جعلت الايات القرانية بطش الانسان مفعما بالجبروت، بينما بطش الله مشوب على شدته بالرحمة "واذا بطشتم بطشتم جبارين" (الشعراء: آية 130) "ان بطش ربك لشديد، انه هو يبدىء ويعيد، وهو الغفور الودود" (البروج: الآيات 12-14)

الخاتمة والفوائد المهمة

·        ... علم الكلام كان تسمية جديدة، عربية، لما أسميناه في فصول هذا الكتاب: اللاهوت العربي.
·        ... ما درج عليه بعض الخلفاء المسلمين من شرب الخمر (المحظورة) حتى ان يزيد بن معاوية بن ابي سفيان، وهو الخليفة، اشتهر بمجونه وشرب الخمر علانية. وأكثر من ذلك، ما روي من أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهو الخليفة أيضا" (المقتول سنة 126 هجرية) أمر فنصبت له خيمة الشراب فوق الكعبة!
·        ... ان منفذي الاغتيالات كانوا يتناولون نوعا" من المخدرات (الحشيش) يجعلهم يتهالكون لتنفيذ عمليات الاغتيال. ولذلك عرف الاسماعيلية، أصحاب الموت، باسم: الحشاشين.

جدلية العلاقة بين الدين والعنف والسياسة